الجابرية قطعة 1 ب
info@lawyerq8.com
اتصل بنا: 94444897
التزوير جنحة أم جناية

التزوير جنحة أم جناية 

يفرز الواقع جملة من الأفعال ترمي إلى الاعتداء على المصلحة العامة وتقتضي بالتالي تسليط العقوبات على مرتكبيها. وتتنوع هذه الأفعال لتشمل مختلف مجالات الحياة. ومن جملة هذه الأفعال المجرمة والمعاقب عليها جريمة التزوير. هذه الجريمة عرفها المشرع الكويتي بالمادة 257 فقرة أولى من قانون الجزاء الكويتي لسنة 1960 بأنها: “…كل تغيير للحقيقة في محرر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، إذا كان المحرر بعد تغييره صالحا لأن يستعمل على هذا النحو.”. فهو بالتالي يندرج ضمن جرائم الحق العام الواقعة على المال. وقد رتب المشرع على ارتكاب جريمة التزوير مثلما تم تعريفها آنفا عقابا بالسجن لمدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة التي لا تجاوز ثلاثة آلاف دينار أو إحدى هاتين العقوبتين وذلك بالمادة 258 من قانون الجزاء فهي بهذا المعنى تندرج ضمن صنف الجنح. فماهي أركان هذه الجنحة؟ وهل يمكن أن ترتقي إلى صنف الجنايات؟

1/أركان جنحة التزوير:

تقتضي جنحة التزوير، كغيرها من الجرائم، توفر الركن القانوني والركن المادي والركن المعنوي.

بالنسبة للركن القانوني، فهو يتمثل في تنصيص المشرع الكويتي على جريمة التزوير في المادة المذكورة آنفا وما يليها.

أما بالنسبة للركن المادي، فمن خلال قراءة النصوص القانونية المتعلقة بجريمة التزوير نجد سلوكا ماديا عاما لجريمة التزوير وجملة من الأفعال المادية التي تعد طرقا لتحقيق الركن المادي لجريمة التزوير.

طالع ايضا : الاستئناف في الجنح 

بالنسبة للسلوك المادي العام للجنحة هو “تغيير الحقيقة في محرر…على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة…إذا كان المحرر بعد تغيره صالحا لأن يستعمل على هذا النحو”.

نتبين من أحكام هذه المادة أنه يوجد عنصران يتركب منهما الركن المادي لجريمة التزوير هما:

العنصر الأول: تغيير الحقيقة في محرر وهو السلوك المادي المجرم.

العنصر الثاني: الإيهام بمطابقة المحرر للحقيقة وهي النتيجة الإجرامية.

فبخصوص العنصر الأول، فقد اشترط المشرع الكويتي لتحققه صلاحية المحرر بعد تغييره لأن يستعمل في التزوير. فإذا لم يكن المحرر صالحا للتزوير، فإن السلوك المادي لا يتوفر وبالتالي تنعدم الجريمة إلا إذا تم تكييفها على أنها مكونة لجريمة أخرى.

كأن يتم تزوير محرر ليست له أي قيمة لدى القضاء.

هذا السلوك المادي المتمثل في تغيير الحقيقة في محرر يمكن أن يتحقق بعدة طرق ذكرها المشرع الكويتي على سبيل الحصر بالمادة 257 فقرة ثانية من قانون الجزاء الكويتي وهي:

أولا، اصطناع الفاعل محررا ونسبته إلى شخص لم يصدر منه.

ثانيا، إدخال تغيير على محرر موجود سواء بحذف بعض ألفاظه أو بإضافة ألفاظ لم تكن موجودة أو بتغيير بعض الألفاظ.

ثالثا، وضع إمضاء أو خاتم أو بصمة شخص آخر عليه دون تفويض من هذا الشخص، أو حمل ذلك الشخص عن طريق التدليس على وضع إمضائه أو خاتمه أو بصمته على المحرر دون علم بمحتوياته أو دون رضاء صحيح بها.

رابعا، تغيير الشخص المكلف بكتابة المحرر معناه أثناء تحريره بإثباته فيه واقعة صحيحة على أنها غير صحيحة.

خامسا، استغلال حسن نية المكلف بكتابة المحرر وذلك بإملاء بيانات كاذبة عليه موهما أنها بيانات صحيحة.

أما بخصوص العنصر الثاني، فهي تمثل الغاية المرجوة من ارتكاب التزوير والمقصود به إقناع المجني عليه بما لا وجود له في الحقيقة وهو مطابقة المحرر للحقيقة. وهذا العنصر يرتبط ارتباطا وثيقا بالعنصر الأول.

بالنسبة للركن المعنوي لجريمة التزوير فهو يتجلى في قول المشرع بالفقرة الأولى من المادة 257 من قانون الجزاء “بقصد استعماله …” وهذا ما يدل بالتالي على أن جريمة التزوير هي جريمة قصدية تفترض توفر القصد الجنائي العام أي العلم بجريمة التزوير واتجاه الإرادة لتحقيقها.

وهذا يعني أنه إذا كان الفاعل بدوره مخدوعا أي إذا لم يكن واعيا وعالما بأن بياناته كاذبة، فهذا سينفي القصد الجنائي العام لديه.

2/ارتقاء جريمة التزوير من حيث خطورتها إلى رتبة الجناية:

تعد جريمة التزوير من صنف الجنح نظرا للعقاب الذي توجبه والمذكور بالمادة 258 من قانون الجزاء الكويتي والذي تعرضنا له آنفا.

نفس العقاب يتسلط على كل من استعمل محررا زوره غيره، وهو عالم بتزويره (المادة 260)، وكذلك على كل من استعمل محررا فقد قوته القانونية بأي سبب من الأسباب الواردة بالمادة 261 من قانون الجزاء، وكان عالما بذلك وقاصدا الإيهام بأن المحرر لا يزال حافظا لقوته القانونية  (المادة 261 من قانون الجزاء).

إلا أن هذه الجريمة قد تصنف كجناية تبعا للتشديد في العقوبة المسلطة على مرتكبها وذلك يعود لازدياد خطورة جريمة التزوير من خلال توفر ظروف تتصل بارتكابها تسمى بظروف التشديد.

وبالتالي تسمى هذه الجناية بالتزوير الموصوف، وقد تعرض لها المشرع الكويتي بالمواد 259 وما بعد من قانون الجزاء.

فالتزوير يكون موصوفا، إذا ارتكب في محرر رسمي أو في ورقة من أوراق البنوك. فالتشديد هنا مرده طبيعة المحرر الحساسة، والعقاب يصبح في هاته الحالة السجن لمدة لا تتجاوز سبع سنوات مع إمكانية أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز سبعة آلاف دينار. (المادة 259 من قانون الجزاء).

كما تزيد العقوبة شدة إذا ارتكب التزوير في المحرر الرسمي من قبل الموظف المكلف بإثبات البيانات التي غيرت الحقيقة فيها. فلم تعد طبيعة المحرر الحساسة هي الظرف المشدد للعقاب فحسب، بل انضاف إليها ظرف آخر يتعلق بصفة مرتكب التزوير وهو الموظف المكلف بإثبات البيانات المغيرة للحقيقة مثل المحققين أو النيابة العامة أو ضباط الشرطة أو غيرهم. فالعقاب في هذه الصورة السجن لمدة لا يجب أن تتجاوز عشر سنوات، ويمكن أن تضاف إليها غرامة لا تجاوز عشرة آلاف دينار (المادة 259 من قانون أجزاء).

إضافة إلى هذه الحالات، نجد حالات أخرى يكون ارتكاب جريمة التزوير فيها بصفة تبعية لجريمة أخرى. فظرف التشديد هنا هو ارتكاب الجريمة الأصلية.

نذكر في هذا الصدد ارتباط جريمة التزوير بجريمة التدليس موضوع المادتين 235 و236 من قانون الجزاء.

حيث اقتضى المشرع الكويتي بالمادة 235 من قانون الجزاء أنه يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات، وبالغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف دينار أو بإحدى العقوبتين، كل شخص قائم على إدارة مشروع اقتصادي، يتكون رأس ماله كله أو بعضه من اكتتابات الجمهور عن طريق الأوراق المالية، ارتكب تدليسا قصد به خداع الجمهور لحمله على الاكتتاب أو لحمله على تسليمه لحساب المشروع مالا أيا كان وذلك من خلال تزويره أوراق المشروع أو مستنداته أو دفاتره. 

ويتسلط العقاب في هاته الحالة ولو لم يترتب عن تدليسه حصوله من المشروع على مال أيا كان.

جريمة المادة 236 من قانون الجزاء شبيهة بجريمة المادة 235 المذكورة آنفا لكن الاختلاف بينهما يكمن في أن جريمة المادة 236 تحصل كذلك من قبل كل من كان موظفا بمشروع اقتصادي أو مكلفا بعمل لحساب القائم بالمشروع، كما تحصل بقصد الإيهام بوجود حق له في ذمة المشروع، ويعاقب على هاته الجريمة بالعقوبات المقررة في المادة 235 المذكورة آنفا.

وإضافة إلى السجن والغرامة المسلطتين كعقوبتين أصليتين، أوجب المشرع الكويتي في بعض الحالات توقيع عقوبات تكميلية في بعض الحالات الخاصة.

نذكر في هذا الصدد جريمة المادة 70 والذي ألزم فيها المشرع القاضي، عندما يحكم على موظف عام بعقوبة جنحة من أجل تزوير أن يقضي بعزله عن الوظيفة مدة يحددها الحكم، بحيث لا تقل عن سنة ولا تزيد عن خمس سنوات.

نذكر كذلك جريمة المادة 74 من قانون الجزاء حين اقتضى المشرع الكويتي عند الحكم بالسجن لمدة تجاوز سبع سنين على من زور الأختام الرسمية، أن يوضع حتما تحت مراقبة الشرطة مدة تعادل نصف مدة عقوبته، دون أن تجاوز خمس سنوات.

الخاتمة:

جريمة التزوير هي من الجرائم التي تحتمل وصفين قانونيين مختلفين هما الجنحة والجناية ( التزوير جنحة أم جناية) وهو ما يتطلب من المحامي التأني في تحليل قضاياه المتعلقة بجرائم التزوير لكي يتوصل إلى التكييف القانوني الأنسب لمصلحة موكله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اتصل بنا: 94444897
× whatsapp