جرائم الجنح ، تتعدد الجرائم وتتنوع حسب معايير يتم ضبطها مسبقا من قبل المشرع الكويتي أو الفقه أو فقه القضاء، وهو ما جعل نطاق انطباق القانون الجنائي الكويتي واسعا يشمل العديد من الأفعال. وقد كان لضبط تقسيمات الجرائم فائدته وذلك نظرا لكونه يسهل عمل المشرع والقضاء على بلورة النظام القانوني الخاص بكل صنف من أصناف الجرائم. ولعل من أهم أصناف الجرائم التي عني بها المشرع الكويتي الجنح وذلك يتجلى من خلال استقراء أحكام القانون الجنائي الكويتي رغم التشتت الحاصل في القواعد الضابطة لجرائم الجنح. هذا الصنف من الجرائم يتأسس على معيار هام وأساسي وهو خطورة الجريمة. فالجنح بهذا المعنى الصنف الأقل خطورة من الجرائم العامة باعتبار العقاب فيها لا يتجاوز ثلاث سنوات سجن والغرامة التي لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية. إن دراسة جرائم الجنح تقتضي تحديد مفهوم الجنحة ثم التعرض إلى العقاب المسلط على مرتكب الجنحة.
1/مفهوم الجنحة او جرائم الجنح
إن التعريف الوارد بالمادة 5 من قانون الجزاء الكويتي للجنحة لا يكفي للإلمام بمفهوم الجنحة وهو يحتاج كذلك إلى مزيد التوضيح من خلال تمييز هذا المفهوم عن الفعل الضار.
فالجنحة والفعل الضار أو ما يعبر عنها بالجنحة المدنية كلاهما فعل غير مشروع يتسلط على مرتكبهما جزاء يقتضيه القانون.
لكن ذلك لا يمنع من وجود فروقات بينهما تبرز من عدة أوجه.
فمن حيث المصدر، فإن مصدر الجنحة الجزائية هو فعل غير مشروع يقتضيه بالضرورة نص سابق الوضع من القانون الجزائي.
طالع ايضا : اركان جريمة الاختلاس في القانون الكويتي
إذن هناك قائمة حصرية للأفعال التي تتكون منها كل جنحة او جرائم الجنح كنتيجة لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
أما بالنسبة للفعل الضار (الجنحة المدنية)، فلا وجود لقائمة حصرية للأفعال التي تتكون منها.
لذلك يقع الاقتصار على نص عام وهي المادة 227 من القانون المدني الكويتي الذي يقتضي وجود فعل ضار سواء كان مباشر أو متسببا فيه أو حدث من شخص مميز أو غير مميز.
أما من حيث النتيجة، فالفعل الضار لا يوجد إلا بوجود ضرر شخصي لحق بالغير. فالضرر الشخصي أحد أركان الفعل الضار.
أما الجنحة، فتوجد أحيانا ولو بدون ضرر شخصي لحق بطرف بذاته لأن المتضرر بوجه قار هو المجتمع.
وأخيرا من حيث الجزاء المسلط، ففي الجنحة المدنية الجزاء يتمثل في غرم شخصي يحصل عليه المتضرر ويقدر بحسب جسامة ذلك الضرر.
بينما في الجنحة الجزائية، الجزاء هو عقوبة غايتها ردع الجاني عن إجرامه. لذلك فهو لا ينفع المتضرر شخصيا.
2/العقاب المسلط على الجنح او جرائم الجنح
يقتضي المشرع الكويتي في المادة 5 من قانون الجزاء الكويتي أن عقوبة ارتكاب الجنحة هو السجن المؤقت لمدة أقصاها ثلاث سنوات وهي من عقوبات الردع السالبة للحرية أدرجها المشرع الكويتي ضمن العقوبات الأصلية وذلك بالمادة 57 من قانون الجزاء الكويتي.
عقوبة السجن شهدتها مجمل المجتمعات البشرية، تقريبا؛ يصادفها الباحث لدى الفرس واليونان والرومان وحتى العرب؛ كما مورست العقوبة المذكورة من كافة الأنظمة الاجتماعية حتى الوقت الحالي؛ وقد كان تنفيذها في حصون يصعب الهروب منها، وبأماكن نائية عن العمران يعسر الإنقاذ منها.
لكن ما يلاحظ في طريقة السجن سابقا أنها لم تكن تمارس بمثابة العقوبة، وإنما على غرار التدبير الاحترازي؛ حيث يقع اللجوء إليها في انتظار أن يقع البت في شأن الحبيس، سواء من قبل السلطان (وهو الدارج)، أو من قبل الساهرين على الأمن وهو الذي ساد؛ ومن ثمة يتضح أن الآلية المذكورة هي أكثر ما يتقارب مع ما يعبر عنه بالإيقافات التحفظية في خطاب اليوم، ولكن غياب القواعد الدقيقة، لا سيما مع ما يتعلق بآجال المحاكمات، واستعمال الوسيلة كأداة بيد السلاطين، قد جعلها تمارس بدون ضبط، وهو ما أفرز ظواهر متعارضة مع حقوق الناس، ومن ذلك معاملة المحبوسين بطريقة مهينة مع قلة اكتراث قد تصل بأولي الأمر إلى حد نسيانهم في الأماكن المعينة لحبسهم. وكل ذلك سوف تسعى المنظومات الحديثة إلى التصدي له بما يحقق مراجعته وإبداله.
وقد كان ذلك بجملة من الطرق:
الأولى تتمثل في اعتبار حبس الجناة وسجنهم عقوبة مستقلة بذاتها، يوقعها القضاء، لا بمثابة العمل التحضيري أو التدبير الاحترازي لردود فعل يستعملها الماسكون بالسلطة بمثل ما يحلو لهم.
وأما الثانية، فتتجسم بإفراد العقوبة المذكورة بجملة التنصيصات التي تتعلق بالأماكن المصطلح عليها بالسجون، وبنظام إدخالهم فيها، فضلا عن تنصيصات أخرى، تحدد بوجه دقيق كل ذلك، مع التركيز على مفهوم المدة وطرق احتسابها، قبل أن تهتم القوانين بصفة عامة بالسجين ككائن بشري له جملة من الحقوق التي تؤلف إلى ما يصطلح عليه بحقوق السجين.
وبالإضافة إلى السجن المؤقت كعقوبة للجنح، أضاف المشرع الكويتي عقوبة أخرى لم يشر إليها ضمن العقوبات الأصلية المذكورة بالمادة 57 سالف الذكر لكن الفقه صنفها كعقوبة أصلية يمكن أن تكون مقرونة بعقوبة السجن أو بديلة عنها وهي عقوبة الغرامة التي لا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية. والروبية المقصودة هي الروبية الخليجية التي كانت العملة المتداولة بين بلدان الخليج العربي
عقوبة الغرامة هي من عقوبات الردع المالية، وهي تتمثل في مبلغ مالي يقع الحكم به على المتهم بأدائه، ويختلف المبلغ المذكور عما يقع الحكم به على نفس المتهم مبالغ تصرف تعويضا لأضرار مادية ومعنوية، يستفيد بها الضحية.
ومن ثمة يتبين أن ما يدفع بعنوان غرامة يكون لصندوق الدولة خلافا لما يحكم به من تعويضات تنصرف مبالغها للأشخاص.
إلا أن تنصيص المشرع على هاتين العقوبتين الأصليتين كجزاء لارتكاب الجنح لم يمنعه من التنصيص على عقوبات أخرى تسمى بالتكميلية والتبعية والتي يمكن أن تتسلط على مرتكب الجنح في بعض الحالات الخاصة.
نذكر على سبيل المثال ما أوجبه المشرع الكويتي على القاضي من تسليط عقوبة تكميلية على الموظف العام المحكوم عليه بعقوبة جنحة، وذلك بسبب رشوة أو تعذيب متهم لحمله على الاعتراف أو استعمال سلطة الوظيفة لمجرد الإضرار بأحد الأفراد أو استعمال أختام رسمية على نحو مخالف للقانون أو تزوير. هذه العقوبة التكميلية تتمثل في عزله عن وظيفته مدة يحددها الحكم بحيث لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنوات حسب الظروف. ذلك ما نص عليه المشرع بالمادة 70 من قانون الجزاء الكويتي.
الخاتمة:
إن ما يميز جرائم الجنح عن غيرها من الجرائم هو من حيث العقوبة المسلطة عليها والتي تعكس درجة خطورتها وكذلك من حيث اعتماد مفهوم الجنحة في جملة من الأفعال الأخرى التي لا علاقة لها بالجنحة الجزائية.
طالع ايضا : تمييز الجنح في القانون الكويتي