تتخذ الجرائم في القانون الكويتي شكلين عامين هما الجنح والجنايات، وقد وضع في شأنهما المشرع الكويتي نظامين قانونيين دقيقين يتضمنان قواعد بعضها قد تنطبق على كلا الصنفين من الجرائم وبعضها الآخر ينطبق على صنف دون الآخر منها. وتعد الجنح والجنايات درجتين متفاوتتين من درجات خطورة الجريمة.
هذا وقد عرف المشرع الكويتي كلا الصنفين من الجرائم الجنح والجنايات في نصين مختلفين هما المادتان 3 و 5 من قانون الجزاء الكويتي. فبالنسبة للجنايات عرفها المشرع الكويتي بالمادة 3 من قانون الجزاء الكويتي :
تعريف الجناية
“الجنايات هي الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام أو بالحبس المؤبد أو بالحبس المؤقت مدة تزيد عن ثلاث سنوات و بالغرامة التي يجاوز مقدارها ثلاثة آلاف دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
تعريف الجنحة الكويت
أما الجنح فقد عرفها بالمادة 5 من قانون الجزاء لسنة 1960 بكونها: “الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة (شريطة ألا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية) أو بإحدى هاتين العقوبتين”. وعلى هذا الأساس يمكن أن نتبين أن الجنايات هي أخطر من الجنح باعتبار العقوبة أشد في الجنايات.
لكن هذا لا يمنع من وجود نقاط مشتركة بينهما تؤدي إلى توحيد بعض القواعد المنطبقة عليهما. فما هي الأحكام المشتركة بين الجنايات والجنح؟ وما هي أوجه الاختلاف بينهما؟\
طالع ايضا : تمييز الجنح في القانون الكويتي
الأحكام القانونية المشتركة بين الجنايات والجنح
على مستوى المضمون
نجد جملة من الأحكام التفصيلية التي تنطبق سواء على الجنايات أو على الجنح.
ففي الأحكام المتعلقة بالمشاركة، سوّى المشرع الكويتي بين الجنح والجنايات في المادة 56 فقرة أولى من قانون الجزاء الكويتي والتي تتعلق بالمساءلة الجزائية لشخصين أو أكثر اتفقوا على ارتكاب جناية أو جنحة، وعزموا على المضي في اتفاقهم بحيث لا يتوقع معه أن يعدلوا عما اتفقوا عليه ولو كانت الجريمة غير تامة أي لم تتحقق فيها النتيجة الإجرامية على صعيد الواقع لتدخل عوامل خارجية حالت بينه وبين تحقيق النتيجة المرجوة.
أما بخصوص الأحكام المتعلقة بالعقوبات الأصلية، فقد أجاز المشرع الكويتي للقاضي عند إصداره لعقاب متعلق بجناية أو جنحة أن يقضي كذلك بمصادرة الأشياء المضبوطة التي استعملت أو كان من شأنها أ تستعمل في ارتكاب الجريمة والأشياء التي تحصلت منها دون مساس بحقوق الغير حسن النية على أن تكون الجنحة المرتكبة قصدية. إذ عند ارتكاب جنحة غير قصدية لا يجوز للقاضي أن يحكم بالمصادرة باعتبار أن الجنحة الغير قصدية أقل خطورة من الجنحة القصدية (المادة 78 من قانون الجزاء).
على صعيد آخر، وبخصوص أحكام العود، فقد نص المشرع الكويتي، تعريفه للعائد، على أن الجريمة التي ارتكبت مرة أخرى يمكن أن تكون جناية أو جنحة وذلك طبق مقتضيات المادة 85 من قانون الجزاء الكويتي.
وأخيرا بخصوص جريمة الإعانة على الفرار، فإن المشرع الكويتي نص على عقاب من علم بوقوع الجريمة، سواء كانت جنحة أو جناية، علما جازما وأتبع ذلك العلم بإعانة الجاني على الفرار من وجه القضاء، وذلك سواء بإيوائه أو بإخفاء آثار الجريمة، بالسجن مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بإحدى العقوبتين وذلك ما اقتضته المادة 133 من قانون الجزاء الكويتي.
التسوية بين أحكام الجنح والجنايات يبرز كذلك من خلال اعتماد المشرع الكويتي لظروف التشديد التي يقررها لجملة من الجرائم فتتحول من جنح إلى جنايات.
فمثلا جريمة السرقة إذا كانت مجردة فهي جنحة، أما إذا كانت موصوفة فهي جناية.
أيضا جريمة خيانة الأمانة إذا كانت مجردة فهي جنحة أما إذا كانت موصوفة فهي جناية.
على المستوى الإجرائي
إن مرجع النظر في كل من الجنايات والجنح يعود حصرا للقاضي الجزائي.
هذا وفي خصوص الإجراءات الوقائية التي يمكن أن تقضي المحكمة باتخاذها، فإنها تتسلط على المتهم في جناية أو جنحة وذلك في صورة تبين المحكمة أن للمتهم اتجاهات إجرامية وميولا عدوانية يخشى منها عودته إلى الإجرام.
وقد وردت هذه الإجراءات مفصلة بالمادة 24 من قانون الإجراءات الجزائية الكويتي لسنة 1960.
كما أجاز المشرع الكويتي لرجل الشرطة أن يقوم بتفتيش المتهم أو مسكنه وذلك في إطار قيامه بالتحريات المستوجبة، وذلك في إحدى الصورتين الواردتين بالمادة 43 من قانون الإجراءات الجزائية ومنهما شهادته لارتكاب جناية أو جنحة. ففي هذه الصورة الأخيرة أشار المشرع صراحة للمساواة بين الجنحة والجناية في الحكم.
كذلك يجوز للشرطي عند القيام بالقبض كإجراء تحفظي أن يطلب من الشخص أن يصحبه إلى مركز الشرطة وذلك في صورة وجود قرائن جدية تثبت ارتكاب سواء لجناية أو جنحة (المادة 52).
وبخصوص التصرف في التحقيق الابتدائي، فإنه يجوز للمجني عليه ولأي من ورثته سواء ادعى مدنيا أو لم يدع التظلم من قرارات حفظ التحقيق التي يصدرها رئيس الشرطة والأمن العام، خلال شهرين من تاريخ إعلانه أو علمه بالقرار، وذلك سواء في جناية أو جنحة. فيرفع بالتالي التظلم لدى محكمة الجنايات في صورة الجناية أو محكمة الجنح المستأنفة في صورة الجنحة.
هذا وبالنسبة لمرجع نظر محكمة الجنايات، فإنه يمكن لها النظر في قضايا الجنح وذلك بشرط أن تكون مرتبطة بقضايا الجنايات المنظورة أمامها (المادة 135 من قانون الإجراءات الجزائية).
إضافة إلى ذلك، مكّن المشرع الكويتي المحكوم عليه حكما غيابيا من الإدلاء بالمعارضة وقد نص المشرع صراحة على أن ذلك يمكن أن يكون في الجنايات أو الجنح على حد السواء (المادة 187).
أما بالنسبة لمبدأ الاستئناف، فإن هذا الحق مخول لمن صدر ضده حكم ابتدائي سواء في جنحة أو جناية (المادة 199 من قانون الإجراءات الجزائية).
الاشتراك في الأحكام بين الجناية والجنحة على هذا الصعيد الإجرائي يتجلى كذلك من خلال اعتماد القاضي المختص لتقنية التجنيح وهي تقنية واقعية تمارسها السلطة القضائية في مرحلة التتبع والتحقيق.
جوهريا، تتمثل هذه التقنية في إضفاء وصف خاطئ على الأفعال فتصنيفها أقل درجة من حيث الخطورة من الوصف الصحيح. وهو نزول بالوصف القانوني للجريمة.
لذلك في التجنيح يقع وصف الأفعال التي تتكون منها في الحقيقة جناية كجنحة.
رغم ذلك، فإن هناك شقا من الفقهاء من رأى بأن المحكمة لا يمكن أن تتولى التجنيح إلا إذا نص المشرع على ذلك صراحة.
إذ لم يورد المشرع الكويتي نصا عاما في التجنيح بقانون الإجراءات الجزائية.
وقد أورد المشرع نصا خاصا بخصوص التجنيح فيما يتعلق بالدفاع الشرعي وذلك بالمادة 36 من قانون الجزاء الكويتي، حيث نص في هذه المادة على أن: “إذا جاوز الشخص بحسن نية حدود الدفاع الشرعي، بأن استعمل لدفع الاعتداء قوة تزيد على القدر الذي كان يستعمله الشخص المعتاد إذا وجد في ظروفه دون أن يكون قاصدا إحداث أذى أشد مما يستلزمه الدفاع، جاز للقاضي، إذا كان افعل جناية، أن يعده معذورا وأن يحكم عليه بعقوبة الجنحة بدلا من العقوبة المقررة في القانون”.
أوجه التفرقة بين الجنحة والجناية
1/التفرقة بين الجنحة والجناية على أساس العقوبة:
يُستخلص هذا الأساس في التفريق بين الجنحة والجناية من التعريف التشريعي لكل منهما.
حيث أن “الجنايات هي الجرائم التي يُعاقب عليها بالإعدام أو بالحبس المؤبد أو بالحبس المؤقت مدة تزيد عن ثلاث سنوات وبالغرامة التي يجاوز مقدارها ثلاثة آلاف روبية، أو بإحدى هاتين العقوبتين” وهو ما نص عليه المشرع الكويتي بالمادة 3 من قانون الجزاء الكويتي.
أما الجنح ف”هي الجرائم التي يعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات والغرامة (شريطة ألا تتجاوز ثلاثة آلاف روبية) أو بإحدى هاتين العقوبتين” طبق المادة 5 من قانون الجزاء الكويتي.
2/الآثار المترتبة عن التفريق بين الجنحة والجناية
على مستوى المضمون
يبرز التفريق بين الجنحة والجناية في هذا الإطار على مستويين: على مستوى المحاولة من جهة، وعلى مستوى القصد الجنائي.
أما على مستوى المحاولة، فإن زجرها مبدئي وآلي في الجنايات، فالعقاب ينطبق على كل الجنايات دون استثناء، وهذا يعني أنه لا حاجة إلى التنصيص الصريح على عقاب المحاولة في إطار النص المحدث للجناية.
بينما في الجنح، فالزجر استثنائي فهو لا يحدث إلا في صورة التنصيص الصريح بالنص من قبل المشرع الكويتي في النص المحدث للجريمة ذاته. فالمبدأ هنا هو عدم التجريم وعدم العقاب في المحاولة والاستثناء هو الزجر إذا ورد صراحة بالنص.
أما على مستوى القصد الجنائي، فإن جميع الجنايات يجب أن تكون جرائم قصدية دون استثناء. في حين أن الجنح هي مبدئيا قصدية لكنها يمكن أن تكون غير قصدية استثنائيا وبتنصيص صريح من المشرع.
على المستوى الإجرائي
تتجلى الفروقات على هذا المستوى من خلال عدة أحكام إجرائية.
حيث يفرق المشرع الكويتي بين الجنحة والجناية بخصوص الأحكام المتعلقة بسقوط الدعوى الجزائية بمرور الزمن: تسقط الدعوى الجزائية بمرور عشر سنوات في الجنايات ابتداء من يوم وقوع الجنية طبق المادة 4 فقرة أولى من قانون الجزاء الكويتي.
بينما تسقط الدعوى الجزائية بمرور خمس سنوات من يوم وقوع الجريمة في الجنح استنادا إلى المادة 6 فقرة أولى من قانون الجزاء الكويتي.
كما يفرق بين الجنح والجنايات من حيث سلطات التحقيق والتصرف والادعاء: حيث تكون من اختصاص النيابة العامة التي تعتبر مخولة للمطالبة بتوقيع العقوبة في الجنايات، وتكون من اختصاص محققين من دائرة الشرطة والأمن العام الذين لهم الحق في المطالبة بتوقيع العقوبة في الجنح (المادة 9 و105 من قانون الإجراءات الجزائية).
التفريق يتم كذلك من حيث مراحل النزاع الجزائي: إذ أن هذه الأخيرة مطولة جدا في مادة الجنايات لوجوبية التحقيق. في حين أنها غير مطولة بالضرورة في مادة الجنح باعتبار أن مرحلة التحقيق فيها غير وجوبية أي أن سلطات التتبع التي تثير الدعوى الجزائية لها الخيار إما أن تحيلها للتحقيق أو تحيلها مباشرة للمحاكمة حسب الحالات (المادة 36).
يفرق كذلك المشرع الكويتي بين هذين الصنفين من الجرائم من حيث اختصاص المحاكم: إذ أن اختصاص النظر في الجنح يعود إلى محكمة الجنح ابتدائيا، ومحكمة الجنح المستأنفة في الطور الاستئنافي.
في حين أن اختصاص النظر في الجنايات يعود إلى محكمة الجنايات ابتدائيا، ومحكمة الاستئناف العليا في الدرجة الثانية.
ذلك ما أورده المشرع الكويتي في المادة 3 من قانون الإجراءات الجزائية.
التفريق يتم كذلك من حيث تركيبة المحاكم: حيث تتركب محكمة الجنح من قاض واحد من قضاة المحكمة الكلية (المادة 4 من قانون الإجراءات الجزائية).
أما محكمة الجنايات فتتألف من ثلاثة من قضاة المحكمة الكلية (المادة 7).
وأخيرا نجد التفريق من حيث سقوط العقوبة بمرور الزمن: حيث تسقط العقوبة في الجنايات بمرور عشرين سنة من وقت صيرورة الحكم نهائيا باستثناء عقوبة الإعدام التي لا تسقط إلا بمرور ثلاثين سنة. (المادة 4 فقرة ثانية).
بينما تسقط العقوبة في الجنحة بمرور عشر سنوات كاملة من وقت صيرورة الحكم نهائيا. (المادة 6 فقرة ثانية).
الخاتمة: ( الجنح والجنايات )
إن الأحكام المتعلقة بـ الجنح والجنايات ثرية وذلك يعود أساسا لقيام القانون الجزائي في جانبيه الإجرائي والموضوعي على هذا التصنيف. لكن ذلك لا يمنع من إخضاع هذين الصنفين لنفس النظام القانوني وذلك قصد تسهيل عمل القضاء وسائر أعوان الدولة القائمين بتنفيذ القوانين الجزائية.
شاهد ايضا : استئناف حكم براءة فى جنحة ضرب