لا شك أن وسيلة الطعن غير العادي، وهو التماس اعادة النظر للأحكام الجزائية، ضمانة لعدم وقوع بعض الأحكام القضائية في أخطاء يتضرر منها المُدانون في القضايا الجزائية ،التماس إعادة النظر هو طعن في حكم نهائي، يُرفع هذا الالتماس إلى المحكمة التي أصدرته، وهو أيضًا طريقة الطعن الذي يقوم به المحكوم عليه على الحكم النهائي أمام المحكمة التي أصدرته نفسها ويطلب لأسباب معينة وفقًا للقانون.
أي يُطلب به إعادة النظر في هذا الحكم و كما هو معلوم أن درجات التقاضي في النظام القانوني الكويتي على درجتين (أول درجة و استئناف )، وأن أحكام الجنايات تكون بطبيعتها نافذة دون حاجة لنص الحكم على ذلك… ، حيث إن قضاء التمييز يعتبر وسيلة استثنائية للطعن، ويكون الحكم الصادر منه باتايتضمن عقوبه ولا يقبل أي وجه من أوجه الطعن.
فأن التجارب الواقعية أثبتت أن هناك حاجة حقيقية لإيجاد وسيلة قانونية إضافية يمكن من خلالها اللجوء للسلطة القضائية لتعديل أحكامها فيما يتعلق بالقضايا الجنائية، أسوة بما هو معمول به في القضاء المدني، خاصة أن الحاجة تكون أكبر لذلك في القضاء الجنائي.
وذلك بسبب خطورة الاتهام ومن ثم العقوبة التي قد يحكم بها على الأفراد بأن طريق التماس إعادة النظر مقرر للتعامل مع حالات محددة تستجد فيها ظروف بعد الحكم النهائي, معنية بعرض وقائع وحقائق على القضاء لم يسبق له الوقوف عليها، من شأنها تغيير وجه الرأي في الدعوى، لافتا الى أنه اذا كان المشرع حرص على النص على توفير آلية التماس إعادة النظر في المسائل المدنية والتجارية فإن أرواح وحريات البشر اكثر أهمية من اموالهم.
وحيث ان « نظام التماس اعادة النظر يعد حقيقة المنفذ الأخير لتصحيح الأخطاء التي قد ترتكب من قبل الأجهزة المنوط بها تحقيق العدالة، ويجب ألا نخشى من تبنيه، إذ إن حالات التماس إعادة النظر المقررة محددة بشكل دقيق، وليس من شأنها أن تؤدي -في حالة تبنيه- إلى إحداث اضطراب في الأحكام الجزائية أو التأثير على قوة الأمر المقضي لها بشكل يفقد الثقة بها، إذ إن التماس إعادة النظر مقرر في أغلب التشريعات الجزائية، واستخدامه مقرر لمصلحة المحكوم عليه، ولم يؤد تبنيه إلى إحداث أي اضطراب في احكام هذه الدول .
تدخل المحامي حسين شريف الشرهان تلفزيون مجل الكويت حول قانون التماس اعادة النظر
http:/www.youtube.com/watch?v=uagPVtV83tE&feature=youtu.be
وبصدور قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بما يسمح بالأخذ بنظام التماس إعادة النظر في الأحكام النهائية والباتة الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح في أحوال محددة، لا شك ان هذه الخطوة تعتبر استكمالا للمنظومة التشريعية التي تخلفنا عنها منذ أمد بعيد والذي يأتي استكمالا لخطة المشرع في سد الفراغ التشريعي في القوانين الجزائية حينما قام بتعديل احكام القانون رقم 40/1972 بشان حالات الطعن بالتمييز وإجراءاته بصدور المرسوم لقانون رقم 17/2017 بتعديل مادته التاسعة والحادية عشر بفقرتها الثالثة والرابعة بحق المحكوم عليه تظلم في قرار محكمة التمييز اذا رات عدم قبول طعنه .
الحكمة المبتغاة من هذا التعديل في القوانين الجزائية الكويتية
هي سد الفراغ التشريعي في القوانين الجزائية الكويتية بإيجاد طريق غير عادي للطعن في الأحكام الجزائية أسوة بأغلب التشريعات المقارنة وهو التماس إعادة النظر في الأحكام الجزائية ضمانة لعدم وقوع بعض الأحكام القضائية في أخطاء من شأنها أن تزج بعدد من المحكوم عليهم في القضايا الجزائية إلى الحبس، وهو ما تأباه العدالة أشد إباء، وكذلك في الأحوال التي تظهر فيها لاحقا أدلة للمحكوم عليهم من شأنها أن تظهر براءتهم.
هذا القانون الذي كثر الحديث عنه وطال انتظاره منذ سنوات طويلة نصت المادة “213 مكررا ” منه على التالي : ”يجوز التماس إعادة النظر في الأحكام الباتة الصادرة بالعقوبة في مواد الجنايات والجنح في الأحوال الآتية”:
1- إذا كان الحكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المدعي قتله حيا .
2ــ إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعة ثم صدر حكم على شخص آخر من أجل ذات الواقعة وكان بين الحكمين تناقض يستنتج منه براءة أحد المحكوم عليهما.
3ــ إذا حكم على أحد الشهود أو الخبراء بالعقوبة المقررة لشهادة الزور في الباب الثالث من قانون الجزاء أو إذا حكم بتزوير ورقة قدمت أثناء نظر الدعوى وكان للشهادة أو تقرير الخبير أو الورقة تأثير في الحكم.
4ــ إذا كان الحكم مبنيا على حكم صادر من محكمة مدنية أو من إحدى محاكم الأحوال الشخصية وألغي هذا الحكم
5ــ إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه.
مادة 213 مكررا 1
في الحالات المنصوص عليها في البنود الاربعة الاولى من المادة السابقة، يكون لكل من النائب العام والادارة العامة للتحقيقات والمحكوم عليه او من يمثله قانونا اذا كان عديم الاهلية او مفقودا ولاقاربه وزوجه من بعد موته حق التماس اعادة النظر.
ويكون تقديم الالتماس الى النائب العام بعريضة يبين فيها الحكم المطلوب التماس اعادة النظر فيه والوجه الذي يستند اليه ويشفعه بالمستندات المؤيدة له.
طالع ايضا : العقوبات والجزاءات التأديبية
ويرفع النائب العام الالتماس مع التحقيقات التي يكون قد رأى جراءها الى محكمة التمييز او الى محكمة الاستئناف بهيئة تمييز في احكام الجنح الباتة بتقرير يبين فيه رأيه والاسباب التي يستند اليها، ويجب ان يرفع الطلب الى المحكمة خلال الاشهر الثلاثة التالية لتقديمه.
مادة 213 مكررا 2
في الحالة المنصوص عليها في البند 5 من المدة 213 مكررا من هذا القانون، يكون حق التماس اعادة النظر للنائب العام وحده سواء من تلقاء نفسه او بناء على طلب الادارة العامة للتحقيقات او بناء على طلب اصحاب الشأن، واذا رأى له محلا يحيله مع التحقيقات التي يكون قد رأى لزوم اجرائه الى محكمة التمييز او محكمة الاستئناف بهيئة تمييز.
ويجب ان يبين في الالتماس الواقعة او الورقة التي يستند اليها.
مادة 213 مكررا 3
لا يقبل النائب العام التماس اعادة النظر الا اذا اودع الطالب خزانة المحكمة مائتي دينار كفالة ما لم يكن قد اعفي من ايداعها بقرار من لجنة الاعفاء من الرسوم القضائية، كما تعفى النيابة العامة والادارة العامة للتحقيقات من ايداع هذه الكفالة.
مادة 213 مكررا 4
تعلن النيابة العامة الخصوم بالجلسة التي تحدد لنظر الالتماس امام محكمة التمييز او محكمة الاستئناف بهيئة تمييز قبل انعقادها بثلاثة ايام على الاقل.
مادة 213 مكررا 5
تفصل المحكمة في الالتماس بعد سماع اقوال النيابة العامة والخصوم وبعد اجراء ما تراه لازما من التحقيق بنفسها او بواسطة من تندبه لذلك، فإذا رأت قبول الالتماس حكمت بإلغاء الحكم وقضت في الدعوى.
مادة 213 مكررا 6
لا تحول وفاة المحكوم عليه من استمرار المحكمة في نظر الدعوى، وفي هذه الحالة تنتدب احد المحامين المقيدين في الجدول رقم «د» من المادة السادسة من القانون رقم 42 لسنة 1964 المشار اليه للترافع عنه.
مادة 213 مكررا 7
لا يترتب على التماس اعادة النظر وقف تنفيذ الحكم الا اذا كان صادرا بالاعدام.
تقضي المحكمة بمصادرة الكفالة المنصوص عليها في المادة 213 مكررا 3 في حالة رفض الالتماس.
مادة 213 مكررا
كل حكم يصدر بالبراءة بناء على التماس اعادة النظر يجب نشره على نفقة الحكومة في الجريدة الرسمية بناء على طلب النيابة العامة وفي جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار.
مادة 213 مكررا 10
مع عدم الاخلال بأحكام سقوط الحق بمضي المدة، يترتب على الغاء حكم الادانة والقضاء بالبراءة زوال كل الآثار المترتبة على الحكم الملغي.
مادة 213 مكررا 11
اذا رفض التماس اعادة النظر، فلا يجوز تجديده بناء على ذات الوقائع التي بني عليها
وقد استمد المشرع حكم المادة سالفة البيان من المادة 441 من قانون الإجراءات الجنائية المصري الذي استمدها الأخير من المادة 443 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي بعد تعديلها بالقانون الصادر في 8 يونيو سنة 1895 التي صار موضعها المادة 622 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي الجديد الصادر بالقانون الرقيم 31 ديسمبر سنة 1957.
ويتبين من نص القانون الكويتي ان الحالات الأربع الأولى التي وردت في المادة 213 مكررا هي حالات منضبطة يجمعها معيار محدد أساسه أن الواقعة الجديدة المسوغة لإعادة نظر الدعوى إما أن ينبني عليها بذاتها ثبوت براءة المحكوم عليه بوجود المدعي قتله حيا أو بقيام التناقض بين حكمين بحيث يستنتج منه براءة احد المحكوم عليهما، وإما ينبني عليها انهيار احد الأدلة المؤثرة في الحكم بالإدانة كالحكم على الشاهد أو الخبير بالعقوبة المقررة لشهادة الزور أو الحكم بتزوير ورقة قدمت في الدعوى أو إلغاء الأساس الذي بني عليه الحكم.
وكان القانون في الحالة الخامسة قد اشترط في الوقائع التي تظهر بعد الحكم وتصلح سببا للالتماس أن تكون مجهولة من المحكمة والمتهم معا إبان المحاكمة، وقد استقر قضاء محكمة النقض المصرية على أن المقصود بهذه الحالة أن تدل تلك الوقائع أوالأوراق بذاتها على براءة المحكوم عليه أو يلزم عنها سقوط الدليل على إدانته أو تحمله التبعة الجنائية .
طالع ايضا : الاستخدام الحكومى للمستندات والتوقيعات الالكترونية
وقد استلزمت المادة “213 مكرر 3” لقبول النائب العام طلب إعادة النظر أن يودع الطالب خزانة المحكمة مبلغ مئتي دينار كفالة ما لم يكن قد أعفى من إيداعها بقرار من لجنةالإعفاء من الرسوم القضائية، كما تعفى النيابة العامة والإدارة العامة للتحقيقات من إيداع هذه الكفالة .
وأنه على يقين ان هذا القانون من القوانين المهمة المكملة لمنظومة العدالة في دولة الكويت، لكن أتمنى أن لا يتم إساءة استخدام نصوصه بما يرهق مرفق القضاء اوان يتم الطعن عليه بعدم الدستورية لمآرب لا يعلمها إلا الله
الرأي القانوني
استطلعت آراء القانونيين والمختصين عن هذا القانون، فإن الأصل أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية، تكفل له فيها الضمانات الضرورية الممارسة حق الدفاع وفقا لنص المادة 34 من الدستور.
وبين ان المادة 14 من العهد الدولي لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والتي صادقت عليها دولة الكويت بموجب القانون رقم 12 لسنة 1996 والذي أصبح قانوناً من القوانين السارية في البلاد، نصت على أن «لكل شخص دين بجريمة حق اللجوء وفقا للقانون إلى محكمة أعلى بقصد النظر في قرار إدانته وفي العقاب الذي حكم به عليه».
أن هذا النص الدولي حضّ الدول على إقرار حق الطعن على الأحكام وتمكين كل محكوم عليه من التظلم من الأحكام الجزائية الصادرة ضده بأي طريق عادي أو غير عادي. وإذ كان المشرع في الكويت قد أغلق على المحكوم عليه بحكم جزائي نهائي وبات من اللجوء إلى وسيلة للتظلم منه خصوصا، إذا كان هناك سبب يؤدي إلى القضاء ببراءته وكان هذا السبب خافياً على المحكمة التي أصدرت العقوبة ضده.
وأنه إذ كان من مقتضيات حسن سير العدالة أن يكون هناك باب يفتح للمحكوم عليه لإثبات براءته بعد إغلاقه، لذا فإن العدالة والحق أيضا يقتضيان إقرار باب الالتماس بإعادة نظر القضية.
وحسناً فعل المشرع الكويتي بتقديم قانون لإقرار حق الالتماس بإعادة نظر الدعوى في الدعاوى الجزائية سواء في الجنايات أو الجنح.
وبين أن في جمهورية مصر العربية على سبيل المثال، أقرت محكمة النقض وسيلة لمراجعة الحكم البات في شأن ما قد يعتري الإجراءات من خطأ يمس حقوق بعض الخصوم، ورأت في سبيل الوصول إلى السلامة القضائية سبيلا للرجوع عن أحكامها في بعض الأحوال، وذلك بقبول طلبات لإعادة نظر الطعن، إذا تبين لها أن معلومات خاطئة قد شابت تناولها للطعن لدى الفصل فيه ما أدى الحكم إلى سقوطه أو عدم قبوله.
وهذا ما يحدث عادةً في الطعون التي قضي فيها بعدم القبول، أو بسقوطها بسبب عدم تنفيذ العقوبة أو درجة قيد المحامي الذي وقع على تقرير الطعن أو مذكرة أسبابه، أو سلامة توكيله عن الطاعن وصفته وغير ذلك من الأسباب التي تمنع قبول الطعن شكلا. فتنظر المحكمة الالتماس وتقضي بما يظهر لها من حقيقة فتقضي بقبوله شكلا ثم تنظر في موضوعه وتفصل فيه.
و أن محكمة التمييز الكويتية سایرت هذا التوجه في بعض الطعون النادرة ولكنها لا تعد مبدأ تسير عليه محكمة التمييز وتلتزم به.
وأحسن المشرع الكويتي في هذا القانون الذي يبيح الالتجاء إلى وسيلة الالتماس بإعادة النظر واقترح أن تضاف بعض النصوص لهذا المشروع بأن يتضمن جواز الالتماس بإعادة النظر إذا قضى الحكم بعدم قبول الطعن شكلا أو بسقوطه بناء على مستندات تبين عدم صحتها أو فات على المحكمة نظرها. أو إذا كان الحكم الصادر من محكمة التمييز يخالف مبادئ قانونية استقرت عليها في أحكام محكمة التمييز.
إذ ان القضاء على خلاف مبدأ مستقر عليه في قضاء محكمة التمييز يحتاج إلى اجتماع الجمعية العمومية للدائرة لتعديله أو إلغائه وإعلان مبدأ جديد.
أما الحكم على خلاف مبدأ مستقر عليه فيعتبر باطلا ولا وسيلة لإلغائه أو إبطاله بعد صدوره إلا اللجوء إلى الالتماس بإعادة النظر .
والحالة الثالثة لإعادة النظر إذا تبين أن أحد القضاة الذين أصدروا الحكم النهائي أو البات غير صالح لنظر الدعوى والفصل فيها وفقا لما نصت عليه المواد من 102 إلى 111 من قانون المرافعات المدنية والتجارية رقم 38 لسنة 1980.
ووجوب الالتماس بإعادة النظر في الجرائم المنظمة في قانون خاص لا يجيز الطعن بأحكامه سواء بالاستئناف أو التمييز كقانون محاكمة الوزراء رقم 88 /1995 حيث حرمت المادة 11 المحكوم عليه من استئناف الحكم أمام محكمة الاستئناف وشرع له حق الطعن بالتمييز فقط.
وكذلك قانون سوق المال الذي حرم المحكوم عليه من الطعن في الحكم أمام محكمة التمييز وأي قانون خاص آخر.
ورأى ان النص على ذلك يغلق باب التذرع بأن هذه الجرائم قد نظمها قانون خاص لا يجوز أن يسري عليها ما يسري على بقية الجرائم من إجراءات محاكمة وخصوصا في شأن درجات التقاضي وأحواله.
وأكد علي طلب الالتماس بإعادة النظر بأنه طريق من طرق الطعن غير العادية على الاحكام فالمقرر قانوناً وقضاء وفقهاً أن طرق الطعن في الأحكام نوعان طرق عادية وطرق غير عادية.
أما العادية قد حددها القانون وحصرها المشرع في المعارضة والاستئناف وغير العادية هي الطعن عن طريق التمييز وقد حدد المشرع حالاته في القانون رقم 40 لسنة 1972 والقوانين المعدلة له.. ونجد أن هذه الحالات الخمس ذكرت على سبيل الحصر ، وتكاد تكون هي نفسها الموجودة في التشريعات الأخرى التي تبنت التماس إعادة النظر باعتباره طريقا غير عادي للطعن
ويرى الفقه الجنائي بأن هذه الحالات جميعها تتصف بخصائص من حيث كونها تفترض خطأ واقعيا شاب الحكم لا خطأ متعلق بالقانون ، فهي تقوم حتى ولو يكن هناك بطلان أو خطأ قد شاب الإجراءات التي تم بها تحريك ، أو رفع الدعوى العمومية أو قواعد المحاكمة ، فهذه الحالات قد تتواجد إحداها دون علاقة بالإجراءات القانونية ، فقد تقوم ولو كانت صحيحة ، وهي مذكورة على سبيل الحصر لا يجوز الزيادة أو القياس عليها.
أخيرا فان هذه الحالات متصلة ومتعلقة بالحكم لا بالدعوى الموضوعية الجزائية ، فهي إعادة مراجعة للحكم بسبب واقعة جديدة ، لم تكن موجودة أو قائمة ، وقت صدور الحكم ، مما أدى إلى صدور الحكم متضمنا لعيب متصل بالواقع بسبب غياب تلك الواقعة وقت صدور الحكم أو أنها أكتشف بعد صدوره .
وحيث الحالات المحددة لالتماس إعادة النظر تكاد تكون نفسها بجميع التشريعات ، إذ أنها خمس حالات ، الأربعة الأولى محددة المضمون أما الخامسة فقد جاءت عامة قابلة للتفسير الموسع ملائم لارادة المشرع ، حيث أن كل ما يؤدي إلى براءة المتهم لا شك انه يفسر تفسيرا موسعا ، إذ الهدف هو عدالة مستقرة على حكم جنائي قوي الدعائم لا مجال للتشكيك فيه.
1- اذا حكم على متهم في جريمة قتل ثم وجد المدعى قتله حيا
هذه هي الحالة الأولى التي أجاز المشرع أن يلجأ فيها إلى الطعن بالتماس إعادة النظر ، فإذا صدر حكم جنائي بات على شخص بتهمة أنه قتل زيدا ، وبعد أن أصبح الحكم الجزائي باتا غير قابل للطعن بأي وسيلة عادة كالمعارضة أو الاستئناف ، أو وسيلة غير عادية كالتمييز ، كان له حق اللجوء إلى التماس إعادة النظر بعد أن ظهرت هذه الواقعة الجديدة والتي كانت غائبة ، أو اكتشفت بعد صدور الحكم .
والملاحظ أن أغلب التشريعات العربية تستخدم الصياغة نفسها ، والتي نعتقد أنها مأخوذة من المشرع المصري ، بينما نجد أن التشريع الفرنسي ومن خلال المادة (622) من قانون الإجراءات الجزائية استخدم تعبيرا مختلفا ، حيث لم يتطلب ظهور المدعى موته ، بل اكتفى بظهور أوراق من شأنها نشوء أمارات كافية على وجود المدعى قتله حيا .
ولا شك أن الصياغة التي جاءت بها القواعد المنظمة لنفس الحالة في جميع التشريعات العربية تتصف بالتشدد ، وإن كنا نرى أن ذلك التشدد هو تشدد ظاهري غير حقيقي .
فإن كان المشرع الفرنسي يتطلب تقديم أوراقا تعطي أمارات أو دلائل على وجود المدعى قتله ، فإن النص المصري – ومثله بقية التشريعات العربية – يكتفي أيضا بما يدل على أن المدعى قتله موجود .
سواء كان ذلك عن طريق الأوراق ، أو أية أدلة أخرى ، كشهادة الشهود .
ومن ثم فإن تطبيقها من حيث الواقع سهل و مرن ، على النحو الذي قرره التشريع الفرنسي الذي يقبل الإثبات على وجود المجني المدعى قتله حيا من خلال أوراق – كإشعار من المطار يثبت سفر المدعى قتله أو رسالة بريدية تثبت تواجده في مكان ما – ومن ثم نرى أن من شأن ذلك عدم يسهل إثبات حياة المدعى قتله. وهذه الحالة يتطلب قيامها تحقق شرطين :
الشرط الأول :
صدور حكم بات بإدانة على شخص من أجل جريمة قتل: لا بد أن يتواجد أمامنا حكم جزائي بات على أحد الأشخاص من أجل جريمة قتل ، فإن كانت الجريمة غير ذلك فإنه لا يتحقق هذا الشرط ومن ثم لا يجوز الطعن بالتماس إعادة النظر على أساس من هذه الحالة ، كأن تكون التهمة الموجهة عاهة مستديمة ، بل لا بد أن تكون التهمة وكما هي محددة بالقتل سواء كان عمدا أو عن طريق الخطأ.
كذلك لا بد أن يكون هذا الحكم حكما باتا ، فإن كان غير ذلك كأن يكون قابلا للطعن بوسيلة من وسائل الطعن العادية أو غير العادية فإنه لا يقبل اللجوء إلى التماس إعادة النظر ، حيث إن من شروط اللجوء إليه أن يكون الحكم بات ، فما زال الباب مفتوحا أمام المحكوم عليه من أجل إصلاح الخطأ الذي لحق الحكم .
فإن تبين بعد صدور حكم من محكمة أول درجة أن المدعى قتله حي ، فإن المجال مفتوح من خلال الاستئناف لإصلاح هذا الخطأ و إلغاء الحكم الصادر من محكمة أول درجة ، فإن تأيد في الاستئناف ، بقي الباب أيضا مفتوحا أمامه لإصلاح الخطأ المتعلق بالواقع أمام محكمة التمييز ، فإن أصبح باتا ، وظهرت الواقعة بعد ذلك ، فلا شك إن التماس إعادة النظر هو مجاله الرحب الذي يمكن من خلاله إصلاح هذا الخطأ إن تحقق الشرط الآخر المتعلق بقيام الحالة
الشرط الثاني :
وجود الشخص المدعى قتله حيا : يجب كذلك – لكي تقوم هذه الحالة ومن ثم يقوم التماس إعادة النظر من الناحية القانونية – أن يقوم دليل على وجود المدعى قتله حيا على قيد الحياة، سواء كان ذلك الدليل أوراقا ،أم شهادة شهود ، أم رسائل ، أم ظهورا له حقيقيا أمام المحكمة ، ولا بد أن يكون هذا الظهور الفعلي أو ظهور دليل على حياته بعد صدور الحكم الجنائي ، و إلا فإنه لا وجود لجريمة لعدم وجود محلها ، وهو إزهاق روح إنسان حي ، بل يشمل هذا الظهور على قيد الحياة وتتحقق من ثم هذه الحالة وان مات المدعى قتله بعد برهة يسيرة لأي سبب آخر كأن يقتل من قبل شخص آخر أويموت بسبب مرض
2- إذا صدر حكم على شخص من أجل واقعة ثم صدر حكم على شخص آخر من أجل ذات الواقعة ، وكان بين الحكمين تناقض يستنتج منه براءة أحد المحكوم عليهما
تفترض هذه الحالة وجود حكمين متناقضين صدرا على شخصين مختلفين ليس بينهما أية علاقة مساهمة جنائية ، وكان كل حكم فيهما ينسب صدور الواقعة أو الفعل الإجرامي لهذا الشخص ، بحيث ثبت وجود تناقض بينهما يستنج معه براءة أحدهما من التهمة المنسوبة إليه والتي صدر بشأنها حكما جنائيا باتا .
وهذه الحالة من خلال مضمونها تفترض أن تتواجد عدة أمور ، الأول منها وجود حكمين بالإدانة على شخصين مختلفين ، والثاني أن تكون الواقعة المحكوم بها هي واقعة واحدة في كلا الحكمين ، والأمر الأخير وجود تناقض بين الحكمين يستنتج معه براءة أحد المحكوم عليهما .وسوف نتناول كل منهما بشيء من التفصيل .
الشرط الأول :
وجود حكمين باتين بالإدانة على شخصين مختلفين : يتطلب هذا الشرط أن يتواجد حكمان جنائيان يتصف كلاهما بكونهما أصبحا باتين ، أي غير قابلين للطعن بأي وسيلة عادية أو غير عادية ، فإن كان أحدهما لا يصدق عليه هذا الوصف ، فإنه يلجأ إلى وسائل أخرى لتعديل الخطأ المتعلق بالواقع إن قامت بقية الشروط ، كاللجوء إلى الاستئناف أو التمييز من أجل رفع هذا الخطأ المتصل بالواقع .
ومن خلال هذا الشرط ومضمونه ، فإنه لا تتحقق الحالة المشار إليها آنفا إذا صدر حكم الإدانة ضد شخص ثم رفعت الدعوى ضد شخص ثان من أجل الواقعة عينها ، ولكن لم يصدر حكم ضده لوفاته، أو ثبوت تقادم الدعوى ، أو أوقفت إجراءاتها لجنون المتهم ، ولا تتوافر هذه الحالة إذا صدر حكم بالإدانة ضد شخص في الوقت الذي اعترف شخص ثان بالواقعة عينها ، ولكن لم يصدر ضده حكم بالإدانة.
كما يتعين صدور حكمين، ومن ثم لا تتوافر هذه الحالة إذا صدر حكم بالإدانة ضد شخص من أجل واقعة ثم اتخذت إجراءات التحقيق أو المحاكمة من أجل الواقعة عينها ضد شخص ثان ، ولكن لم يصدر ضده بعد حكم بالإدانة ولا عبرة بكون هذه الإجراءات تنطلق من أساس يناقض حكم الإدانة .
ولا تتوافر هذه الحالة إذا صدر حكم واحد انطوى على تناقض سواء تناقض أجزاء منطوقه ، أو تناقض منطوقه مع أسبابه ، أو تناقضت أسبابه فيما بينها، و يعد هذا الحكم منطوياً على بطلان ، وطريق الطعن فيه هو الطعن بالاستئناف أو التمييز إذا كان قد صدر من محكمة الاستئناف بهذا الوصف وكان قابلا للطعن بهذا الطريق الأخير الغير عادي
كذلك لا بد أن يكون كلا الحكمين قد صدر بالإدانة ، فإن كان أحدهما بهذا الوصف والآخر بالبراءة فإن شروط الحالة لا تقوم ولو ثبت التناقض بينها ، لأننا نكون أمام حكم واحد يسند التهمة إلى شخص واحد ، ومن ثم لا يتحقق الشرط
وأخيرا يتضمن هذا الشرط أن يكون الحكمان الباتان ضد شخصين مختلفين ليس بينهما رابط المساهمة الجنائية بأي وصف ، بمعنى لا يكون فاعلا أصليا معه أو شريكا سابقا أو لاحقا ، لإمكانية تصور التناقض الذي يقوم جوهره على كون كل حكم فيهما ينسب الواقعة الإجرامية إلى شخص آخر
فإن كان كلا الحكمان قد صدر على شخص واحد ، فإن الطعن بالتماس إعادة النظر لا يقبل ، لعدم تحقق شروط هذه الحالة ، بل نكون أمام محاكمة فاعل واحد عن نفس الفعل مرتين متتاليتين ، وهذا غير جائز ، ومن ثم كان بالإمكان الدفع بسبق الفصل في الواقعة أمام محكمة أول درجة التي تهم بمحاكمته عن الفعل مرة أخرى ، لكون الحكم الأول قد حاز على قوة الأمر المقضي ، وأصبح عنوانا للحقيقة ، سواء تضمن البراءة أم الإدانة ، ونحن هنا – ومع ذلك – نفترض الإدانة في الحكم الاول ، وبالرغم من هذا ، فإن هذا المثل لا يحقق الشرط ، وهو وجود شخصين مختلفين ليس بينهما رابط المساهمة الجنائية لقيام حالة التناقض
الشرط الثاني :
وجود تناقض بين الحكمين يستنتج معه براءة أحد المحكوم عليهما : يقصد بالتناقض بين الحكمين أن يوجد منطوقان لحكمين بحيث ينقض كل منهما الآخر ، فلا يستدل من خلالهما بالاستنتاج على مرتكب الفعل، إذ إن من خلال محاولة الجمع بينهما يتبين براءة أحد المحكوم عليهما ، فلا تناقض اذا عارض أحد المنطقين أسباب الحكم الآخر ، إذ يشترط أن يكون التناقض بين المنطوقين ، لا بين المنطوق والأسباب التي بني عليها الحكم الآخر.
ومثال التناقض بين المنطوقين أن ينسب الحكم الأول واقعة إلى زيد باعتباره الفاعل الوحيد لها ، ومن ثم ينسب حكم آخر إلى خالد الواقعة ذاتها باعتباره فاعلا أوحد لها
3- إذا حكم على أحد الشهود أو الخبراء المقررة لشهادة الزور ،في الباب الثالث من قانون الجزاء أو إذا حكم بتزوير ورقة قدمت أثناء نظر الدعوى وكان للشهادة أو تقرير الخبير أو الورقة تأثير في الحكم
تفرض هذه الحالة التي يقوم معها التماس إعادة النظر إن تحققت شروطها ، وهي تتطلب ومن خلال النص أن يتوافر لقيامها عدة شروط :
الشرط الأول :
أن يوجد حكم بات بإدانة شاهد أو خبير بشهادة زور ، أو حكم بات بتزوير ورقة قدمت أثناء نظر الدعوى السابقة ، والتي صدر فيها حكم على شخص .
ولكي تتحقق هذه الفرضيات ، فإنه لا بد من حكم قطعي بات بشأن شهادة أحد الأشخاص أو شهادة خبير باعتبارها مكونة لجريمة شهادة الزور المنصوص عليها في صلب القوانين الجزائية كنص المادة ( 136) من قانون الجزاء الكويتي التي تنص على أن (كل شخص كلف بأداء الشهادة أمام إحدى الجهات القضائية وأقسم اليمين ، ثم أدلى ببيانات كاذبة وهو يعلم عدم صحتها ، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات وبغرامة لا تجاوز ثلاثة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين .
ويعد في حكم الشاهد زورا كل شخص يكلفه القضاء بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة ، فيغير الحقيقة عمدا بأية طريقة كانت ).
فلا بد إذن من وجود حكم جزائي بات ، يقرر أن شهادة هذا الشاهد أو الخبير ، كانت مزورة ، وكذلك الأمر ، فيما يتعلق بتزوير الورقة ، إذ لابد من وجود حكم جزائي بات، يقرر قيام جريمة التزوير المشار إليها بالنصوص الجزائية التي يتضمنها قانون الجزاء ، ومنها القانون الكويتي من خلال المادة ( 257) التي تنص على أنه ( يعد تزويرا كل تغيير للحقيقة في محرر بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة ، إذا كان المحرر بعد تغييره صالحا لأن يستعمل على هذا النحو ….)
الشرط الثاني :
أن يكون لهذه الشهادة أو الورقة التي ثبت تزويرها بحكم بات ، أثر أو شأن ، في صدور الحكم الجنائي المراد التماس إعادة النظر فيه ، أي أن حكم الإدانة قد بني على هذه الشهادة أو الورقة ، مما يثبت وجود الخطأ المتعلق بالحكم المراد التماس إعادة النظر فيه ، ولكن لا بد أن تكون المحكمة التي أصدرت الحكم المراد التماس إعادة النظر فيه ، قد استندت في حكمها على هذه الشهادة ، أو الورقة المزورة ، سواء لوحدها ، أو مع دليل آخر ، فكونا عقيدتها ، أما إذا عرضت هذه الشهادة، أو الورقة ، على المحكمة ، التي أصدرت الحكم ، فاستبعدتها باعتبارها دليلا واستندت على أدلة أخرى في حكم الإدانة فلا تتحقق هذه الحالة
الشرط الثالث :
أن يصدر الحكم بشهادة الزور أو بتزوير الورقة بعد أن أصبح الحكم المراد التماس إعادة النظر فيه حكما باتا ، وهذا بالفعل ما يبرر قيام التماس إعادة النظر ، إذ إنه إن لم يصبح باتا ، وكان هناك مجال للطعن فيه ، فإنه يمكن إصلاح هذا الخطأ ، ومن ثم لا يوجد مبرر لفتح التماس إعادة النظر في هذا الحكم القائم بإدانته على هذه الشهادة أو الورقة المزورة .
4- إذا كان الحكم مبنيا على حكم صادر من محكمة مدنية أو من إحدى محاكم الأحوال الشخصية وألغي هذا الحكم
تفترض هذه الحالة أن يبنى حكم جنائي على أساس من حكم آخر ، صادر من محكمة مدنية أو محكمة الأحوال الشخصية ، ويكون لهذا الحكم غير الجنائي قوة ملزمة وقاطعة ، في المسألة القانونية التي صدر الحكم بها ، فلا مجال لأن يستند حكم جنائي على حكم آخر ، إلا إذا قامت واقعة مرتبطة بذلك الحكم الغير جنائي .
ومن أمثلة ذلك ، أن يستند حكم جنائي بجريمة زنا على أساس من نص المادة (195) التي تقرر أن ( كل شخص متزوج – رجلا كان أو امرأة – اتصل بغير زوجه ، وهو راض بذلك ، وضبط متلبسا بالجريمة ، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات ، وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين ) على حكم آخر غير جنائي صادر من محكمة الأحوال الشخصية .
ومن اجل التوضيح نسوق هذا المثال : فلو افترضنا أن ( أ ) اتهم بقضية الزنا تلك ، فدفع بأنه غير متزوج نظرا لطلاقه من زوجته بتاريخ سابق على تاريخ وقوع واقعة الزنا ، إلا أن محكمة الأحوال الشخصية أصدرت حكما يقرر وجود العلاقة الزوجية ، فأسس الحكم الجزائي بإدانته على موجب من نص المادة (195) التي تتطلب – كشرط مفترض فيها – وجود علاقة زوجية ، وبعد صدور الحكم الجنائي بإدانته واتصافه بكونه حكما باتا لا يقبل الطعن ، ألغي الحكم الصادر من محكمة الأحوال الشخصية المؤسس عليه إدانته بالزنا المشار إليه من خلال المادة (195
أو قد تتطلب هذه الحالة من حالات جواز التماس إعادة النظر في الحكم الجزائي صدور حكم من محكمة أخرى كالمحكمة المدنية ، يقضي بوجود عقد من عقود الأمانة ويؤسس عليه حكم جزائي يقضي بالإدانة في جريمة خيانة أمانة ، ومن ثم يلغى الحكم المقرر لعقد الأمانة بعد صيرورة الحكم الجنائي باتا ، على النحو المقرر بالتشريع الكويتي ، بمعنى لا يقبل الطعن بأي وسيلة من وسائل الطعن العادية أو الغير عادية التي منها التمييز فقط .
ما تجدر الإشارة إلى أنه وإن كان من المقرر أن لا حجية لأحكام المحاكم المدنية أمام المحاكم الجنائية ، إلا أن ذلك مقصور فيما يتعلق بوقوع الجريمة ونسبتها إلى فاعلها ، ويعني ذلك أن للحكم المدني حجية فيما عدا ذلك ، وبصفة خاصة إذا قرر شرطا مفترضا للجريمة غير مادياتها ، كما لو أثبت في خيانة الأمانة وجود عقد أمانة أو ملكية المال لغير المتهم .
5- إذا حدثت أو ظهرت بعد الحكم وقائع أو إذا قدمت أوراق لم تكن معلومة وقت المحاكمة وكان من شأن هذه الوقائع أو الأوراق ثبوت براءة المحكوم عليه
لعل هذه الحالة هي من أشهر الحالات التي يسوقها الفقهاء عادة لبيان مفهوم التماس إعادة النظر ، وهي من الأهمية بحيث إنه يطلق عليها عادة أنها الحالة الاحتياطية والشاملة لكل ما لم يقرر من خلال الحالات السابقة لالتماس إعادة النظر في الأحكام الجزائية .
فهذه الحالة حالة احتياطية يتم تشريعها لتلافي أي نقص في الحالات الأربع السابقة ، والتي جاءت متصفة بالضبط والتحديد من حيث الشروط الدقيقة التي ترسم لكل منها نطاق محدداً أما هذه الحالة فيتم تطبيقها بعد استبعاد الحالات الأخرى ، وتتطلب هذه الحالة ضرورة توافر شرطين مهمين : الشرط الأول ، أن تكون الواقعة أو الأوراق جديدة ، الشرط الثاني : أن يكون من شأن الواقعة الجديدة ثبوت براءة المحكوم عليه .
الشرط الأول :
أن تكون الواقعة أو الأوراق جديدة :فيجب أن تكون الواقعة أو الأوراق مجهولة وغير معلومة وقت المحاكمة ولم تأخذها المحكمة في اعتبارها عندما أصدرت حكمها بالإدانة ، وكان من المحتمل ألا تصدر حكمها لو كانت تعلم بها ، وعليه فلا يشترط أن تكون الواقعة قد حدثت أو الورقة أنشئت بعد الحكم .
وإنما يكفي أن تكون الواقعة حدثت أو الورقة قد كشفت أو قدمت بعد الحكم المراد الطعن بالتماس إعادة النظر فيه ، وقد ثار التساؤل حول كون تلك الواقعة مجهولة أو غير معلومة بالنسبة لمن ، للمتهم أم للمحكمة ؟ يرى الفقه أن المتهم ، لو كان يعلم بتلك الواقعة ولم يطرحها للمحكمة أثناء دفاعه ، لا يصح له بعد ذلك أن يتقدم بطلب إعادة النظر استنادا اليها ، إذ أنه هو الذي أحجم عن التمسك بذلك الدفاع فيحصد تبعا لذلك نتيجة ما زرع .
هذا ، ولا يتحقق مفهوم واقعة جديدة في التفسير الجديد لواقعة كانت معروضة على المحكمة ، إذ إن الجديد في هذه الحالة هو التفسير ، لا الواقعة ذاتها ، وعليه فلا يجوز أن يستند إعادة النظر إلى رأي تقرير خبير آخر يتناقص في شأن الواقعة مع تقرير الخبير الذي كان معروضاً على المحكمة.
ولا يجوز الاستناد إلى أعراض طرأت بعد الحكم وتثبت جنون المتهم إذا كان قد سبق ودفع بجنونه أثناء المحاكمة ومحصت المحكمة هذا الدفع وقالت رأيها فيه أما إذا لم يسبق له هذا الدفع ، فإنه من الجائز حسب ما يراه الفقه والقضاء المصري والفرنسي اللجوء إلى التماس إعادة النظر ، ولا يجوز الاستناد إلى أدلة جديدة لإثبات ذات الواقعة التي كانت معروضة على المحكمة ورفضت المحكمة القول بثبوتها .
كما أنه لا يعتبر واقعة جديدة التعديل التشريعي ولو كان في مصلحة المتهم ، أما إذا كان هذا التعديل التشريعي من شأنه أن يجعل الفعل غير معاقب عليه ، فإنه يؤدي إلى سقوط الحكم عن المتهم بقوة القانون وزوال آثاره الجنائية .
أما الأوراق التي وردت في النص فيقصد بها تلك المستندات التي تقبل عادة في إثبات واقعة ، كإيصال الأمانة المقرر لتسلم الدائن الأمانة ، و ورقة الشيك التي وجدت بحوزة الدائن والتي يدعي سرقتها ، أو كما يعبر البعض بأنها كافة الأشياء التي يمكن الكتابة أو النقش أو الرسم عليها
الشرط الثاني :
أن يكون من شأن الواقعة الجديدة ثبوت براءة المحكوم عليه . والغاية من هذا الشرط هو أن تؤدي هذه الوقائع أو الأوراق الجديدة إلى ثبوت براءة المحكوم عليه، وبمعنى آخر ثبوت خطأ حكم الإدانة فيما قضى به ، ووجوب إلغائه ، وتقرير براءة المتهم باعتباره النتيجة المنطقية لظهور الواقعة أو الأوراق الجديدة ، أما إذا لم يكن لأي منهما هذا الشأن أو كانتا مؤيدتين للإدانة أو ليست جديرة بأن يعتد بها القضاء في ثبوت براءة المتهم فإن العلة من فتح باب التماس إعادة النظر تكون منتفية .
إلا أن ذلك لا يعني – وكما يقرر الفقه – أن تكون الواقعة الجديدة مثبتة لبراءة المحكوم عليه بذاتها واستقلالاً عن أي دليل آخر .وإنما يكفي أن تثبت البراءة عن طريق تساندها مع دليل ، أو أدلة أخرى في الدعوى ، بحيث يكون من شأن هذا التساند ثبوت براءة المحكوم عليه ، فقد تتمثل الواقعة الجديدة في عدول شاهد الإثبات عن شهادته التي استند إليها حكم الإدانة ، وقد يكون هذا العدول غير كاف في ذاته للإقناع بالبراءة ، ولكن إذا تساند مع تقرير الخبير أو شهادة شاهد نفي آخر في الدعوى ينشأ الاقتناع ببراءة المحكوم عليه، وفي هذه الحال يكون من شأن هذه الواقعة الجديدة ثبوت براءة المحكوم عليه .
كذلك أثير التساؤل حول مدى اشتراط أن تكون الواقعة الجديدة قاطعة في ثبوت البراءة، أم يكفي احتمال ثبوت البراءة .
فقد تطلبت محكمة النقض (نقض 31 يناير سنة 1967 مجموعة أحكام النقض س 18 رقم 27 ص 142 ) أن تكون الواقعة الجديدة قاطعة في ثبوت براءة المحكوم عليه ، أو ينتج عنها سقوط أو نفي الدليل على إدانته أو على تحمل التبعية الجنائية ، فلا يكتفي في هذه الحالة بمجرد عدول الشاهد عما سبق أن أدلى به أمام محكمة الموضوع ، دون أن يصاحب عدوله ما يحسم الأمر بذاته .
ويقطع بترتب أثره وفي ثبوت براءة المحكوم عليه وهو ما يؤدي إلى عدالة الموازنة بين حق المحكوم عليه وصالح المجتمع الذي يضيره المساس بقوة الشيء المقضي فيه دون سبب جازم وقاطع، وهي من حالات النظام العام التي تمس مصلحة المجتمع وتقضي بوضع حد لنزاع فصل فيه القضاء نهائياً ، فأصبح بذلك حكم القضاء عنوان حقيقة هي أقوى من الحقيقة ذاتها
ولا شك أن تطلب اليقين في ثبوت البراءة قد يرى البعض فيه أنه مستمد من قوة الحكم البات ، التي تنبع عنها قرينة مجسدة لحقيقة الأمر المقضي به ، فيما قرره هذا الحكم ، ومن مصلحة المجتمع الإبقاء على هذه القوة واحترامها والتسليم بهذه القرينة ، ولا يجوز إهدارها استنادا على واقعة جديدة دون اهتمام بنوع تلك الواقعة .
وإنما يجب أن يقتصر المساس بهذه القوة على حالة الواقعة الجديدة القاطعة ببراءة المحكوم عليه ، أي خلق اليقين بالبراءة، وهو الذي يوازن بين مصلحتين اجتماعيتين على رأي محكمة النقض المصرية .
ذلك أن طلب إعادة النظر في هذه الحالة الخامسة ليس مقررا للمحكوم عليه أو أقاربه أو زوجه ، – كالوضع في الحالات الأربعة السابقة – وإنما هو مقرر فقط للنائب العام وحده ، سواء من تلقاء نفسه ، أو بناء على التماس أصحاب الشأن .
بل إنه – وكما يقرر المشرع نفسه – ليس للنائب العام ، إذا رأي للطلب محلا أن يحيله مباشرة إلى محكمة النقص وإنما يرفعه إلى لجنة قضائية وهي التي تقرر إحالته إلى محكمة النقض إذا رأت قبوله وهذه الإجراءات لا تكفل إحالة الطلب إلى محكمة النقض إلا إذا كان جدياً وكان احتمال البراءة الذي ينبعث عن الواقعة التي يستند إليها احتمالا قوياً على نحو يتبين معه أن من شأن قبول الطلب تحقيق التوازن المطلوب بين المصلحة الاجتماعية في احترام قوة الحكم والمصلحة الاجتماعية أيضا في إصلاح الخطأ القضائي وإلغاء الإدانة التي استندت إليه وقد رجح هذا الرأي لدى محكمة النقض الفرنسية ونحن نميل إلى اعتناق هذا الرأي .
والجدير بالذكر ، أن ما ذهبت إليه محكمة النقض المصرية في هذا الشأن ، ليس هو الرأي المجمع عليه في الفقه ، فيذهب رأي آخر إلى الاكتفاء بأن يكون من شأن الواقعة الجديدة خلق احتمال البراءة أو إقامة قرينة عليها أو إثارة الشك الجدي في الإدانة التي قررها الحكم المطعون فيه ، ويستند هذا الرأي على أن مجمل الحالات التي يثور فيها طلب إعادة النظر في هذه الحالة لا تخلق الواقعة الجديدة يقيناً بالبراءة وإنما تخلق احتمال البراءة، ويعلل أصحاب هذا الاتجاه ذلك بأنه لو تطلب هذا الشرط اليقين المطلق بالبراءة ، لانحسر نطاق هذه الحالة على نحو يفقدها جدواها ، وما يقال به من تطلب اليقين بالبراءة هو في حقيقته احتمال قوي بالبراءة .
وحيث إنه ما يخص التماس اعادة النظر بأنه طابع احتياطي، فلا يجوز الالتجاء إليه إلا إذا انسدت جميع الطرق القضائية لإصلاح عيب الحكم ومن ثم يقتصر نطاقه على الأحكام الباتة بما مؤداه أن الحكم إذا كان قابلاً للطعن بطريق آخر، فإنه يتعين الالتجاء إلى هذا الطريق..
أكد أن التماس إعادة النظر ينحصر في أحكام الادانة في مواد الجنايات والجنح، وعلى ذلك فإن الالتماس إعادة النظر علة عامة وهي إصلاح الخطأ القضائي وإرضاء الشعور الاجتماعي الطبيعي بالعدالة التي تتأذى بإدانة بريء وما يستتبع ذلك من تنفيذ العقوبة فيه وهو ما يمثل ظلماً اجتماعياً يخل بالعدالة كقيمة اجتماعية ولكن المشرع يجد نفسه بصدد مهمة عسيرة إذ عليه أن يوفق بين الاختبارات السابقة وبين الاحترام الواجب للحكم البات وما يمثله من قوة الشيء المحكوم فيه وما يجعله من قرينة الحقيقة، وعلى ذلك فإننا نرى وبحق أنه يجب على المشرع تحمل مسؤولياته، وأن يتقبل المساس بهذه القوة في حالات من الواجب عليه أن يوردها على سبيل الحصر لا المثال وأنه لن يعاني أي جهد أو عناء في ذلك .
و ان «التماس إعادة النظر أصبح حاليا حقا من حقوق المحكوم عليه، ومن شأن تبنيه تعزيز الثقة بالأحكام الجزائية، وإزالة هاجس الإدانة بسبب خطأ قضائي لا يمكن إصلاحه،
طالع ايضا : اﻻﺳﺘﺨﺪاﻡ ﻭاﻟﺘﻠﻤﺬﺓ ﻭاﻟﺘﺪﺭﻳﺐ اﻟﻤﻬﻨﻲ
وان الواقع العملي يشير إلى إمكانية ظهور وقائع جديدة قد تغير وجه النظر في الدعوى، سواء بعد صدور حكم جنائي نهائي او بات، وهنا تبرز أهمية إيجاد طريق قانوني استثنائي يتيح للأفراد عرض الوقائع الجديدة أمام القضاء ليتم تحقيق مفهوم العدالة بشكل أكبر.
وتجدر الإشارة إلى أن شبهة التسويف أو إطالة أمد التقاضي لا تثار في هذه الحالة، «لأن الأصل كما أسلفنا أن أحكام الجنايات نهائية، وأن اللجوء الى طريق الالتماس من حيث المبدأ لن يعطل تنفيذها وما قد يترتب عليها من دعاوى تعويض للمجني عليهم».
وفي النهاية القانون يفتح باب الخروج من السجن للمتهمين الذين تظهر أدلة براءتهم بعد الحكم .. .
كاتب المقال : المــحـــــامــي حسين شريف شرهان
الكويت في 28 /7 / 2020 م